شريط الأخبار

ما بين التهجير وإعادة الإعمار: هيهات يا عرب هيهات!

ما بين التهجير وإعادة الإعمار: هيهات يا عرب هيهات!
كرمالكم :  

د. كمال ميرزا

على حين غرّة تصبح جدليّة التهجير ـ إعادة الإعمار هي محور الكلام وفحواه، وكأنّ كلّ القتل والدمار والأثمان الباهظة التي دُفعت والجرائم التي يجب أن يُحاسب عليها العدو وأعوانه وداعميه بأثر رجعيّ لم تكن، وكأنّ مخطط الإبادة والتهجير وإعادة تشكيل ملامح الشرق الأوسط قد توقّف أو انتهى!

ويصبح الحديث عن التهجير وإعادة الإعمار حديثاً إجرائياً فنيّاً لوجستيّاً بمنطق "بزبط.. ما بزبط”.. "عنّا.. مش عنّا”.. بعيداً عن أي اعتبارات مبدئية وإيديولوجيّة وعَقَديّة أخرى!

وتصبح أي صيغة يمكن أن تُمرّر في المستقبل (ويتبناها العرب في اجتماعاتهم ولقاءاتهم وقممهم)، وتقلّ عن طروحات ومطالبات وابتزازات "ترامب” و”نتنياهو” ولو بشحطة، بمثابة إنجاز مهول وفتح مبين تمّ انتزاعه انتزاعاً رغماً عن أنفهما، مع أنّ هذه الصيغة قد تكون كارثة بحدّ ذاتها، وتفوق ما كان "ترامب” و”نتنياهو” يحلمان يوماً بتحقيقه وامتلاك القدرة على إنجازه في الميدان.

وبالنسبة للقمّة العربية، والموقف العربيّ الموحّد، وخطة إعادة الإعمار العربيّة الموحّدة.. فقد أصبحت هذه الأخرى مناطاً آخر من مناطات الانتظار والتسويف وإهدار وقتٍ لا يمتلك أهالي غزّة رفاهية إهداره.

وفي أثناء ذلك يحدث ما يحدث في الضفة من عدوان متواصل، وإبادة وتهجير متواصلين.. بصمت، ودون ضجة إعلاميّة وزخم إعلاميّ.

وفي أثناء ذلك أيضاً، نجد كلّ بلد عربيّ (وإسلاميّ)، وكلّ نظام سياسي، وكلّ جماعة مصالح أو نخبة أو مكوّن وصولاً إلى كلّ مواطن بذاته وفرد برأسه.. نجدهم وقد "أهمّتهم أنفسهم”، وشغلتهم "مصلحتهم” بالمعنى الماديّ الذاتي الضيّق لكلمة مصلحة، وما عادت غزّة و”المقاومة” و”طوفان الأقصى” هي العنوان الأكبر الذي يوحّدهم ويؤلّف بين قلوبهم، وما عاد يعنيهم من كلّ ما يجري سوى أن يدفعوا عن أنفسهم تهمة القبول بالتهجير أو التواطؤ معه إذا كان سيقع، وألّا يكون هذا التهجير على حسابهم أو "ببلاش” إذا وقع بالفعل!

وفي غمرة ذلك كلّه يتغافل الجميع عن حقيقة أنّ أيّا من الأنظمة العربيّة المعنيّة لم يقم للآن بقطع علاقاته مع الكيان الصهيونيّ، ولم يعلن للآن التعبئة العامّة والاستنفار، ولم يعترف للآن بفصائل المقاومة كحركات تحرّر وطنيّ مشروعة، ولم يقم للآن بأي خطوات عمليّة من أجل فكّ ارتباطه السياسيّ والعسكري والأمني واعتماديته الاقتصاديّة على أمريكا والكيان ومن لفّ لفيفهما.. وغيرها من الإجراءات الحقيقية الملموسة التي تصبّ في هذا الاتجاه.

وحدهم اليمينيّون، "إخوان الصدق”، قد اثبتوا مرّة أخرى أنّهم بمستوى الثقة وعلى قدر المسؤولية، حين أعلنوها صراحةً بإنّهم سيستأنفون مجهودهم الحربيّ وعملياتهم العسكريّة في حال عاد العدو لاستئناف عدوانه وإجرامه في غزّة.

ما يحتاجه العرب والمسلمون هو موقف مثل موقف اليمن، وما دون ذلك فهم الخاسرون قبل أهالي غزّة والقضية، إن عاجلاً أو آجلاً، وعلى يديّ نفس الحليف والصديق الصهيو ـ أمريكيّ الذي يظنّون أنّهم بتذاكيهم السياسيّ وفهلوتهم السياسيّة يستطيعون أن يخطبوا ودّه ويأمنوا جانبه وينالوا رضاه.. لكن هيهات!

مواضيع قد تهمك