عبد المنعم الزعبي
يقول صندوق النقد الدولي بأن الأردن حقق أهدافه المتعلقة بعجزه المالي للعام 2024 بنجاح. ويقول أيضا بأننا نسير بالاتجاه الصحيح لتخفيض نسبة الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام 2028.
بالمقابل، تشير أرقام وزارة المالية أن مديونية الأردن ارتفعت خلال العام 2024 من 113% إلى 116% من الناتج المحلي الإجمالي. وذلك على الرغم من تخفيض الإنفاق الرأسمالي ب 200 مليون دينار، وانخفاض المديونية نتيجة تقلبات سعر الصرف ب 300 مليون دينار، وتسويات الحكومة الاستثنائية ب 200 مليون دينار السنة الماضية.
وحتى بعد قيام الضمان الاجتماعي بإقراض الحكومة مليار دينار إضافي (أكثر من قيمة الفوائض التأمينية والأرباح السنوية)، وبعد استثناء إجمالي الدين العام لصالح صندوق استثمار الضمان، ارتفع الدين العام للناتج الإجمالي من 89% عام 2023 إلى 90% في نهاية العام 2024.
المسار الحالي للمديونية ينبئ أننا متجهون نحو نسبة مديونية 125% (مع الضمان) و95% (بدون الضمان) بحلول نهاية العام 2028، بعكس توقعات الصندوق التي تتوقع وصول النسبة الأخيرة إلى 80% بذات التاريخ.
ولا أحد يعلم أيضا كيف يتوقع الصندوق انخفاض نسبة الدين العام ب 10 نقاط مئوية خلال 3 سنوات في ظل ما نشهده من حساسية غير مسبوقة تجاه الرسوم والضرائب الحكومية، كما أظهرت ضرائب سيارات الكهرباء وضرائب البناء مؤخرا.
تماما كما أن الحكومة تنجز وتتقدم في ملف التحفيز الاقتصادي، نحتاج في الأردن إلى خارطة طريق موازية لتعزيز الانضباط المالي ووقف الارتفاع المستمر في نسبة المديونية.
تعاطف صندوق النقد الدولي مع الظروف الصعبة التي مرت بها المملكة منذ أزمة كورونا وما أعقبها من حروب وأزمات طاقة وغذاء، تعاطف مستحق، خصوصا في ظل جهود حكومية كبيرة لتعزيز مرونة واستدامة الاقتصاد.
ولكن هذا التعاطف غير قابل للاستمرار إلى ما لا نهاية، بالذات مع بروز العقلية "التعاقدية" لإدارة الملف الاقتصادي على المستوى الأمريكي، وتحول الاقتصاد من "قوة ناعمة" إلى "قوة خشنة" لفرض الأجندات السياسية وتحقيق المكاسب المباشرة.
المقاربة المطلوبة لإدارة الملف المالي تحتاج إلى البناء على الوعي الوطني المتنامي بأهمية الاعتماد على الذات. وتحتاج أيضا إلى تسليط الضوء إعلاميا على ما حققه دافعو الضرائب من وفر كبير "بمليارات الدنانير" على حساب خزينة الدولة في ملفات الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية وغيرها.
كما أننا بحاجة الى الخروج من الإدارة التقليدية للإيرادات والنفقات نحو إدارة موجودات الدولة ومطلوباتها. وهنا تحديدا يتوجب العمل على إعادة هيكلة مديونية الشركات الحكومية، وتفعيل شركة الاستثمارات الحكومية كأداة اقتراض واستثمار لدعم إصلاحات القطاعات الاستراتيجية، وأهمها المياه والكهرباء.