د. ذيب القراله
في الوقت الذي كانت فيه النُخب السياسية العربية تتابع اخر ما يرشح من اخبار حول مصير ( الاتفاقية الامنية ) المرتقبة بين سوريا اسرائيل، طغى فيديو لا تزيد مدته عن ٢٢ ثانيه، يُظهر الرئيس السوري احمد الشرع ، وهو يستعرض مهاراته في لعب ( البلياردو ) على اهتمامات وتعليقات رواد ( السوشيال ميديا ) الذين انقسمت مواقفهم وتعليقاتهم، بين مؤيد ومعارض، ومتفاءل ومتسائل.
واللافت ان توقيت بث الفيديو ( مصحوبا بعبارة : الهدف المزدوج ، اقل كلفة، واعظم اثرا ) يأتي في وقت تعيش فيه سوريا ازمات سياسية وامنية واقتصادية كبيرة، مما أثار جدلاً واسعاً حول دلالاته ،هل هي مجرد لحظات ترفيه عفوية، أم أنها رسائل سياسية مقصودة ،موجّهة إلى اطراف ما؟ وهل تعكس جوانب نفسية تتعلق بشخصية الشرع أو حالته الذهنية؟ وما هي القراءة المتعمقة الكامنة وراء مثل هذه السلوكيات؟ خاصة وان الشرع يبرع في ( الترميز ) وهو ما ظهر جليا في كلمته خلال القمة العربية في الدوحة، واثناء حديثه عن الوفاء لادلب بعد عودته من نيويورك.
منطقيا فان نشر هذه المقطع - الذي لم يكن الاول - حيث سبقه ( فيديو لعب كرة السلة) لم يكن صدفة، بل هو جزء من استراتيجية إعلامية مدروسة ،خاصة وانه بُث مع تعليقات مكتوبة تقول ( المهم أن تصيب هدفك في نهاية الطريق… قد يظن البعض أنك حِدتَ عن هدفك، إلا أنك في النهاية تصيبه في مقتل).
وتحمل هذه العبارات إيحاءات سياسية تشير الى ان للرئيس الشرع خطة محكمة يحقق بها أهدافه مهما ظهرً من امور تشير الى أنه يغيّر الاتجاه، ومن هنا يمكن اعتبار مثل هذه الأنشطة رسائل مُبطنة تفيد بأن قيادة سوريا الجديدة واثقة بنفسها ومتشبثة بمواقفها، ومسيطرة على زمام الأمور رغم الأزمات.
ومن الواضح ان هذه ( الرسائل المشفًرة ) تستهدف الداخل والخارج على السواء ،فداخليا تُبلغ ( المؤيدين والخصوم ) بأن الدولة مستقرة، وأن الشرع قادر على ( تسجيل الأهداف ) وخارجيا لابلاغ الاعداء والأصدقاء بأن الضغوط الخارجية لا تؤثر عليه وأن الوضع الداخلي متماسك، وفي طريقه الى التعافي.
ومن منظور علم النفس السياسي، فان سلوك الرئيس الذي يجد وقتاً للترفيه وسط الازمات العميقة يحمل تفسيرات مزدوجة، ففي الجانب الايجابي،تعكس هذه السلوكيات ،تماسكاً نفسيا وقدرة على ضبط الأعصاب في أحلك الظروف،، وفي الجانب السلبي، تعكس هذه الافعال انفصالاً عن الواقع، ونوعا من الإنكار لحجم الأزمة التي تعيشها البلاد.
وعند الوقوف على ردود الفعل التي تركها ( فيديو البلياردو ) نجد ان المعارضين استقبلوا الامر بانتقادات وسخرية حادة ،واعتبروها دليلا على عدم الشعور بالمسؤولية، وسوء تقدير لمشاعر الشعب الواقع تحت ضغوط الحياة اليومية، متوقعين ان تولًد شعوراً بالغضب أو خيبة الامل لانها تعني اللامبالاة بمعاناة الناس، وتتجاهل ( استباحة ) اسرائيل للسيادة السورية.
اما المؤيدون فقد اعتبروا ان اختيار هذا التوقيت جاء لنقل الخطاب من ضيق أُفق الأزمة، إلى فضاء العودة إلى الحياة الطبيعية،وان إبراز الرئيس في نشاط ترفيهي هو رسالة تفيد بأن حالة الخطر قد انتهت، وأن البلاد تدخل مرحلة جديدة من الاستقرار .
وبالتأكيد ،، يأمل القائمون على ترتيب هذا النوع من ( الدعاية ) في بناء صورة ذهنية جديدة للرئيس الشرع ،الذي يُراد تصويره على انه زعيم متعدد المواهب يتقن الرياضة والسياسة في نفس الوقت،معتقدين ان مثل هذه السلوكيات تساهم في كسب ثقة شريحة الشباب تحديدا، واستمالة الرأي العام الذي يتوق لرؤية بصيص أمل وملامح حياة طبيعية بعد ١٤ عاما من الحرب.
وتشير تجارب ( الدعاية السياسية ) منذ ايام هتلر ،الى ان مثل هذه الخطوات ، هي سلاح ذو حدين،حيث يعتمد نجاحها على النتائج الملموسة لها والمترجمة على الارض لاحقاً،فان استطاع الشرع حقاً ( تسجيل الأهداف) لوطنه - سياسيا واقتصاديا وامنيا- فستُفسَّر تلك اللقطات كدليل على براعته القيادية ورؤيته الثاقبة،اما في حال استمرت الأزمات أو تفاقمت، فستصبح هذه المشاهِد عبئاً موثقا عليه، وسوف يذكرها المواطنون كاستعراض بلا معنى، ونقاط ( مظلمة ) في مسيرته، خاصة وان الشعب السوري، سبق وان عاش تجارب ( شعبوية - دعائية ) مع الرئيس السابق بشار الاسد مثل ( تناول الشاورما مع عائلته في احد مطاعم دمشق) لاثبات ان سوريا آمنة مطمئنة.
ومما لا شك فيه، فان هذا التكتيك الاتصالي غير التقليدي في العالم العربي - الذي يجمع بين جرأة الصورة وغموض التأويل - يحتاج الى جهود كبيرة للاثبات عمليا على ارض الواقع، وليس عبر الشاشات،ان القرارات في سوريا،تُصنع بذكاء وتُدار باحتراف، وبان النجاح في بُعده الاستراتيجي ،سيكون حليف التجربة.
theeb100@yahoo.com
د. ذيب القراله
في الوقت الذي كانت فيه النُخب السياسية العربية تتابع اخر ما يرشح من اخبار حول مصير ( الاتفاقية الامنية ) المرتقبة بين سوريا اسرائيل، طغى فيديو لا تزيد مدته عن ٢٢ ثانيه، يُظهر الرئيس السوري احمد الشرع ، وهو يستعرض مهاراته في لعب ( البلياردو ) على اهتمامات وتعليقات رواد ( السوشيال ميديا ) الذين انقسمت مواقفهم وتعليقاتهم، بين مؤيد ومعارض، ومتفاءل ومتسائل.
واللافت ان توقيت بث الفيديو ( مصحوبا بعبارة : الهدف المزدوج ، اقل كلفة، واعظم اثرا ) يأتي في وقت تعيش فيه سوريا ازمات سياسية وامنية واقتصادية كبيرة، مما أثار جدلاً واسعاً حول دلالاته ،هل هي مجرد لحظات ترفيه عفوية، أم أنها رسائل سياسية مقصودة ،موجّهة إلى اطراف ما؟ وهل تعكس جوانب نفسية تتعلق بشخصية الشرع أو حالته الذهنية؟ وما هي القراءة المتعمقة الكامنة وراء مثل هذه السلوكيات؟ خاصة وان الشرع يبرع في ( الترميز ) وهو ما ظهر جليا في كلمته خلال القمة العربية في الدوحة، واثناء حديثه عن الوفاء لادلب بعد عودته من نيويورك.
منطقيا فان نشر هذه المقطع - الذي لم يكن الاول - حيث سبقه ( فيديو لعب كرة السلة) لم يكن صدفة، بل هو جزء من استراتيجية إعلامية مدروسة ،خاصة وانه بُث مع تعليقات مكتوبة تقول ( المهم أن تصيب هدفك في نهاية الطريق… قد يظن البعض أنك حِدتَ عن هدفك، إلا أنك في النهاية تصيبه في مقتل).
وتحمل هذه العبارات إيحاءات سياسية تشير الى ان للرئيس الشرع خطة محكمة يحقق بها أهدافه مهما ظهرً من امور تشير الى أنه يغيّر الاتجاه، ومن هنا يمكن اعتبار مثل هذه الأنشطة رسائل مُبطنة تفيد بأن قيادة سوريا الجديدة واثقة بنفسها ومتشبثة بمواقفها، ومسيطرة على زمام الأمور رغم الأزمات.
ومن الواضح ان هذه ( الرسائل المشفًرة ) تستهدف الداخل والخارج على السواء ،فداخليا تُبلغ ( المؤيدين والخصوم ) بأن الدولة مستقرة، وأن الشرع قادر على ( تسجيل الأهداف ) وخارجيا لابلاغ الاعداء والأصدقاء بأن الضغوط الخارجية لا تؤثر عليه وأن الوضع الداخلي متماسك، وفي طريقه الى التعافي.
ومن منظور علم النفس السياسي، فان سلوك الرئيس الذي يجد وقتاً للترفيه وسط الازمات العميقة يحمل تفسيرات مزدوجة، ففي الجانب الايجابي،تعكس هذه السلوكيات ،تماسكاً نفسيا وقدرة على ضبط الأعصاب في أحلك الظروف،، وفي الجانب السلبي، تعكس هذه الافعال انفصالاً عن الواقع، ونوعا من الإنكار لحجم الأزمة التي تعيشها البلاد.
وعند الوقوف على ردود الفعل التي تركها ( فيديو البلياردو ) نجد ان المعارضين استقبلوا الامر بانتقادات وسخرية حادة ،واعتبروها دليلا على عدم الشعور بالمسؤولية، وسوء تقدير لمشاعر الشعب الواقع تحت ضغوط الحياة اليومية، متوقعين ان تولًد شعوراً بالغضب أو خيبة الامل لانها تعني اللامبالاة بمعاناة الناس، وتتجاهل ( استباحة ) اسرائيل للسيادة السورية.
اما المؤيدون فقد اعتبروا ان اختيار هذا التوقيت جاء لنقل الخطاب من ضيق أُفق الأزمة، إلى فضاء العودة إلى الحياة الطبيعية،وان إبراز الرئيس في نشاط ترفيهي هو رسالة تفيد بأن حالة الخطر قد انتهت، وأن البلاد تدخل مرحلة جديدة من الاستقرار .
وبالتأكيد ،، يأمل القائمون على ترتيب هذا النوع من ( الدعاية ) في بناء صورة ذهنية جديدة للرئيس الشرع ،الذي يُراد تصويره على انه زعيم متعدد المواهب يتقن الرياضة والسياسة في نفس الوقت،معتقدين ان مثل هذه السلوكيات تساهم في كسب ثقة شريحة الشباب تحديدا، واستمالة الرأي العام الذي يتوق لرؤية بصيص أمل وملامح حياة طبيعية بعد ١٤ عاما من الحرب.
وتشير تجارب ( الدعاية السياسية ) منذ ايام هتلر ،الى ان مثل هذه الخطوات ، هي سلاح ذو حدين،حيث يعتمد نجاحها على النتائج الملموسة لها والمترجمة على الارض لاحقاً،فان استطاع الشرع حقاً ( تسجيل الأهداف) لوطنه - سياسيا واقتصاديا وامنيا- فستُفسَّر تلك اللقطات كدليل على براعته القيادية ورؤيته الثاقبة،اما في حال استمرت الأزمات أو تفاقمت، فستصبح هذه المشاهِد عبئاً موثقا عليه، وسوف يذكرها المواطنون كاستعراض بلا معنى، ونقاط ( مظلمة ) في مسيرته، خاصة وان الشعب السوري، سبق وان عاش تجارب ( شعبوية - دعائية ) مع الرئيس السابق بشار الاسد مثل ( تناول الشاورما مع عائلته في احد مطاعم دمشق) لاثبات ان سوريا آمنة مطمئنة.
ومما لا شك فيه، فان هذا التكتيك الاتصالي غير التقليدي في العالم العربي - الذي يجمع بين جرأة الصورة وغموض التأويل - يحتاج الى جهود كبيرة للاثبات عمليا على ارض الواقع، وليس عبر الشاشات،ان القرارات في سوريا،تُصنع بذكاء وتُدار باحتراف، وبان النجاح في بُعده الاستراتيجي ،سيكون حليف التجربة.
theeb100@yahoo.com