بقلم: عدنان البدارين
من عتب رقيق لزميلة حول أي الألقاب أجدر بها "كاتبة" هي أم "ناشطة"؟ بدأت حكايتنا.. ذلك العتاب الذي أزيل غضاضة ودرءا لشر غضب لم يكن سوى نغمة أعادتني أربعين عاما إلى الوراء حيث صدى الماضي وصوت "صوت الشعب".
في تلك الأيام الغابرة كان الأستاذ طارق مصاروة رحمه الله رئيس تحرير بسيجاره الفاخر ورئاسة مجلس الإدارة بيد صاحب الغليون مريود التل، تلك المؤسسة التي أنهيت خدمات قادتها لاحقا لا لتقصير، بل لصدق تغطية لم ترض سلطة حول أحداث جامعة اليرموك عام 1986، حيث حقيقة الصحافة تكمن في ثمن الكلمة.
تم تعييني – وانا خريج الاعلام – في قسم التدقيق الصحفي مع شخص من دار نشيوات وشخص مصري لا اذكر اسمه، بعد أشهر من التدرج في دهاليز المهنة ما بين الرصد والارشيف والعلاقات العامة وصلت إلى "قلب الصحيفة" حيث قسم المحليات، كان رئيسه الأستاذ محمد داودية، "أبو عدن – كما كنا نسميه في ذلك الوقت" العين الحالي والوزير الاسبق، وإلى جانبه المرحوم رشيد حسن، وكوكبة من الزملاء الذين باتوا اليوم قامات إعلامية يشار إليها بالبنان.
بعد عام من الشغف والعمل في مختلف الاقسام وسوس لي الشيطان الأعظم كتابة المقال! لم يكن نيل شرف الكتابة والنشر وخاصة للمرة الأولى سهلا بل كان يتطلب وسام "بقلم" يسبق اسمك وهو شرف لم يكن ليحظى به إلا القلة بعد موافقة عسيرة من الأستاذ أبي عدن ومراجعة دقيقة من الأستاذ رشيد حسن ومناقشات في المحتوى لا تنتهي.
تجرأت في البداية وكتبت عن الحرب العراقية الإيرانية المشتعلة حينها، كانت نهايته سلة المهملات وخرجت شبه مطرود من حضرة رئيس التحرير آنذاك الدمث الأستاذ سليمان خيرالله رحمه الله، لكن الشغف لا يموت بطرد واحد.
بعد أشهر تجرأت مرة أخرى ولكن هذه المرة في الشأن المحلي، وبعد "نشفان ريق" وشد وجذب وافق الأستاذ محمد داودية على النشر، وحينها سمعت من الأستاذ رشيد حسن رحمه الله محاضرة طويلة وراسخة عن ميثاق الشرف الصحفي وأن الكاتب يجب أن يكون لسان حال الناس يدافع عن قضاياهم ويسير في ركبهم.
اليوم وبعد أربعين عاما من خوض غمار الصحافة ومئات المقالات التي سال بها المداد أتساءل بتردد وحياء هل أستحق لقب "كاتب"؟
الواقع الأليم يشي بأن معظم خريجي الإعلام اليوم- وأنا مسؤول تماما عن هذا الرأي - قد يصيبهم الفشل في امتحان بسيط للغة العربية تلك اللغة التي هي الوعاء الذي يحمل أفكارهم، ومع ذلك يعتقدون منذ يومهم الأول أنهم كتاب فذاذ، أو أن كتاباتهم وحي من الملائكة، والأدهى أن بعض الأساتذة الجامعيين للأسف قد يكونون بمعزل عن خفايا العمل الصحفي الميداني.
اما في العوالم الافتراضية يرتكب مدعو الصحافة والإعلام وجموع الناشطين مذابح يومية بحق الكلمة والحرف، يختلط الحابل بالنابل فلا يكاد أحدهم يميز بين التقرير والمقابلة أو بين الاستطلاع والتحقيق، او حتى كتابة الاملاء، والأدهى أنهم يصرفون لأنفسهم جزيل الألقاب فينصبون أنفسهم كتاباً من طراز غير موجود على الأرض فيما هم في الحقيقة ليسوا سوى مؤلفي أخبار وإشاعات عابرة همهم الأوحد هو حصاد "اللايك" وتضخيم الأثر على حساب صدق المعلومة ومهنية النقل ما يهدد أساس المهنة.
رحم الله الزملاء الذين غابوا عن دنيانا وأطال الله في أعمار من بقي منهم شاهدا على العهد.
والله من وراء القصد.




