مالك العثامنة
الشراكة بين القطاع العام والخاص، عبارة مستهلكة كثيرا وتم توليدها من جديد على اللافتات الانتخابية التي تضج بها شوارع المدن الأردنية.
والعبارة خالية من المعنى في الحقيقة، ليست أكثر من دعوة فارغة من المضمون، فالشراكة – أي شراكة- تتطلب حدا أدنى من التفاهمات، والتفاهمات في الأردن معدومة بين القطاعين حد وصولهما إلى أن يكونا ضدين، لا شريكين.
وهذا سببه غياب مفهوم "الدولة" بمعناه الحقيقي عند الغالبية.
لكي تكون هناك شراكة حقيقية فيجب ان يكون هناك أساس مشترك هو "الدولة للجميع"، والدولة لا تعني بأي حال بكل معانيها أن تكون محصورة بالسلطة أو الجهات الرسمية، بل هي للجميع ضمن محددات واضحة يرعاها الدستور وتنظمها القوانين.
في الأردن، ومع مفهوم "الدولة الريعية" طويل الأمد الذي استمر طويلا جدا، وانتشار فكرة "المحاصصة" كان القطاع العام يتضخم أفقيا كماكينة بيروقراطية هائلة الحجم، كان للقطاع العام دوره الحيوي في تأسيس مؤسسات الدولة على نسق إداري مدهش، لكن مفهوم الريعية أفسد الدهشة كلها مع مرور الزمن ليتشكل في وعي المجتمع أن التعليم العالي طريق للتعيين الحكومي، فتضخم الجهاز وتضخمت تعليماته ولوائحه بما لا تحتمله القوانين الناظمة فتعطلت الحركة وتثاقلت إلى حد ما نراه اليوم.
في المقابل، كان القطاع الخاص دوما تحت شبهة "النصب والاحتيال"، لم يكن يحظى برعاية حقيقية في مجال التشريعات الناظمة ليكون جزءا من مفهوم الدولة، كان ينمو بشكل متسارع لكن على مزاجية أصحاب المصالح ضمن دائرة ضيقة جدا.
اليوم، انتهت الدولة الريعية بالمطلق، وهذا ليس خيارا بين خيارات بل نتيجة حتمية لغييرات عالمية في عالم تغير بالكامل، أدواته تغيرت بالكامل مما يعني أن القطاع العام بمفاصله الثقيلة والبطيئة لا يستطيع الاستمرار بقواعد وأدوات الأمس، والقطاع الخاص اليوم فيه تكنوقراطيون وفنيون وأصحاب معرفة شباب يملكون الأدوات العصرية المؤسسة على تكنولوجيا المعرفة والدفق المعلوماتي، وهذا يعني زحزحة حتمية لقواعد الدائرة الضيقة التقليدية من أصحاب المصالح الكلاسيكيين.
هذا سيكون أول تحديات السلطة التشريعية القادمة، وكان من المفترض ان يكون تحديا للأحزاب التي نشأت بعمليات "السلق" بدلا من النضج الهادئ والواعي، لتضع برامج ضخمة ومكثفة وتصورات لتشريعات وقوانين وأنظمة وخطط استراتيجية تكون هي برامجها المفترضة للحكم في حال استقامت العملية الديمقراطية على سكتها الصحيحة وبدأنا نشهد حكم الأغلبية ومعارضة الأقلية مع حضور دائم لفكرة التداول في السلطة.
بعض المشاهد في "الدعاية الانتخابية" متعبة جدا للوعي، وصعبة التصديق، من بينها مشاهد فيديو افتتاح المقرات لمترشحين بذبائح يتم ذبحها بكل ما في المشهد من دموية، أو مهرجانات الأغاني التي يتبعها دخول مفاجئ لنجوم الاستعراض من المترشحين، فنتساءل: كيف يمكن لكل هؤلاء أن يضعوا قواعد وتشريعات الزمن القادم، وهو قادم لا محالة.
ستقتحمنا أدوات العالم الجديد بكل ما فيه من تغييرات وعلينا ان نكون بكامل جاهزيتنا من الوعي، وأكرر ما أقوله دوما: الدولة هي ألا يحدث ذلك كله.
الغد