كمال زكارنة
منذ دخل الرئيس الامريكي دونالد ترامب البيت الابيض في العشرين من الشهر الماضي،لم يسمع العالم منه الا التصريحات التي تحمل العداء والتهديد والوعيد والانقلاب على السياسات الخارجية ،والقوانين والانظمة المعمول بها في بلاده، واتخاذ الاجراءات العنصرية والدكتاتورية داخليا وخارجيا.
على الصعيد
الداخلي ،يقول على سبيل المثال ،انه سوف يلغي منح المواليد على ارض الولايات
المتحدة حق الجنسية ،وحدد موعدا للبدء بتطبيق ذلك،لكن استطاع النشطاء القانونيون
هناك افشال وابطال هذا التهديد لانه يتطلب تغيير الدستور الامريكي،واعلن ان كل من
يعادي السامية سوف يحاكم من قبل محكمة تابعة للبيت الابيض،وهنا يحول اهم مؤسسة
سيادية امريكية الى محكمة ،كما اعلن ان كل من يعادي اليهود سوف يتم معاقبته بشدة
،وكل من يتعاطف مع فلسطين سيتم ترحيله من امريكا ،واوعز ببناء سجن جديد بجانب سجن
غوانتانامو لهذه الغايات،وطالب باعادة مشاهدة الفيديوهات التي تظهر طلبة الجامعات
الامريكية ،الذين شاركوا في الاحتجاجات العام الماضي ضد حرب الابادة الاسرائيلية
في قطاع غزة،للتعرف عليهم وفصلهم من الجامعات واعتقالهم وحبسهم،وترحيل الاجانب
منهم.
وعندما اعترضت محكمة العدل الامريكية على اجراءاته وقراراته وافعاله ،قال ان جميع اعضائها سيتم تغييرهم ،كما اعلن عن ترحيل ملايين المهاجرين من الولايات المتحدة ،وغير ذلك من قرارات واجراءات صعبة وقاسية ضد الامريكيين والمقيمين في امريكا.
على الصعيد الخارجي ،اعلن ما تشبه الحرب على المكسيك ونشر الاف الجنود الاميركيين على الحدود معها ،لوقف ومنع تدفق الهاجرين، وطالب بتغيير اسم خليج المكسيك ليصبح الخليج الامريكي ،وقال ان كندا ولاية امريكية ،وقناة بنما يجب ان تكون امريكية، وجزيرة غرين لاند النرويجية البالغة مساحتها اكثر من مليوني كيلومتر مربع يجب ان تكون امريكية ،ويفتح حربا تجارية مع الصين ،وسيعمل على تجريد كوريا الشمالية من سلاحها النووي والتقليدي ،وايران لم تغب عن اجندته ،والشعب الفلسطيني يجب ان يتم تهجيره الى الدول العربية ،ووقف المساعدات الامريكية عن دول وشعوب العالم ،كما اعلن الاطاحة بكثير من المؤسسات والمنظمات الدولية ،ومعاداة الدول الاخرى في العالم دون تمييز او تحفظ.
ترمب يصطدم مع اوروبا ودول العالم الاخرى،ويريد ان يمسح بعض هذه الدول الدول عن الخارطة ،وان يسلب اراضي بعضها الاخر ،وان يسلب اموال وثروات دول اخرى ،ويلغي وجود بعضها ويرحل شعوبها ،فهو باختصار يعادي العالم اجمع ويعادي الانسانية،ويوجه سلاحه وسهامه في كل الاتجاهات ،وهو قليل التركيز وكثير التشتت، لا يثبت على موقف ولا يستقر على قرار ،قابل للتغيير والتراجع عن التصريحات والمواقف ،والانتقال من مربع الى اخر ،والتنصل من الالتزامات.
لم يظهر من ترمب حتى الان موقفا ايجابيا يبشر بالامل والتفاؤل ،لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي،وكل ما يصدر عنه يبدو هجوميا وعدائيا ،يجعل منه شخصية يصيبها الغرور وجنون العظمة الى حد الانفصام ،والتمرد على كل القيم والاعراف والبروتوكولات المعروفة في العلاقات الدولية،ويمكن تصنيفه على انه اقرب الى الاستعلاء والاستقواء منه الى السياسي والدبلوماسي ،ويريد ان يفرض سيطرته وسطوته على العالم،ووفقا لمفهومه ،لا يحق لأي جهة سواء كانت داخلية او خارحية، الاعتراض على قراراته وتوجهاته ومواقفه.
ان لم تتدخل المؤسسات الامريكية الوازنة صانعة القرار في الولايات المتحدة ،وتقوم بتصويب السياسة الداخلية والخارجية للادارة الحالية، فان النتائج سوف تكون كارثية داخليا وخارجيا .
نعرف ان الادارة الحالية جمهورية ،والكونغرس يسيطر عليه الجمهوريون ،لكن هذا لا يبرر السماح لرئيس استقوائي فرض سياسات جديدة من شأنها تقويض السلم والامن والاستقرار العالمي والمحلي.