د. محمد أبو رمان
بقدر ما كان هنالك توجس أردني من عودة ترامب إلى البيت الأبيض مع توقع السيء بقدر ما شكّلت تصريحاته أمس عن مضمون اتصاله بالملك عبدالله الثاني صدمة كبيرة للأردنيين لما حملته من تلميحات واستبطنته من إشارات لم تكن مريحة – بالتأكيد- لدوائر القرار في عمان!
السؤال الرئيس الذي يطرح – أردنيّاً- ليس الموقف من ترحيل الفلسطينيين من غزة، بالرغم من أنّ هنالك وقفاً لإطلاق النار وتفاؤلا بإنهاء الحرب لاحقاً، بذريعة إعادة الإعمار؛ لكن لماذا الأردن يستقبل فلسطينيين من غزة؛ وهو جغرافياً ليس متصلاً بالقطاع، ولم يطرح الأمر سابقاً، على الأقل فيما يتعلق بغزة على الأردن، بل قاوم الأردن وعمل بديبلوماسية نشيطة وفاعلة لمنع تهجير الغزيين لعدم تحقيق هدف اليمين الإسرائيلي بالترانسفير في غزة، ثم الخشية لاحقاً أن يمتد ذلك إلى الضفة الغربية!
المقصود أنّ هنالك «جملاً محذوفة» في تصريحات ترامب التي لا يمكن فهمها إلاّ في سياق أكبر مما قاله، سواء ما يتعلّق بمستقبل قطاع غزة والعودة إلى مشروع التهجير للفلسطينيين، أو ما يتعلّق بالأردن وعلاقته بالفلسطينيين وملامح المرحلة القادمة، ومستقبل القضية الفلسطينية بأسره! ففي تصريحاته ربط قضية «ترحيل الفلسطينيين» من غزة إلى الأردن ومصر بما اعتبره انتقال مؤقت أو طويل المدى، ثم ذكر أنّ «الأردن قام بعمل مذهل في إسكان الفلسطينيين إلى حد كبير، وقد فعل ذلك بطريقة ناجحة للغاية»، وهي جملة تشي بالكثير من الدلالات الخطيرة، ودعا إلى بناء مساكن للناس في مكان آخر، الأردن ومصر، مما يعني أنّ هنالك شيء ما يُطبخ ويخطط له في الأروقة السياسية القريبة من ترامب، لم يفصح عنه، لكنه – وفق هذه التلميحات- يرتبط بمنح إسرائيل مزيد من الأراضي والتخلص من السكان الفلسطينيين، ليس فقط في غزة، بل في الضفة الغربية، وهو الملف الأكثر أهمية وخطورة للأردن!
هذا وذاك يعيدنا إلى سؤال سياسة الإدارة الأميركية بخصوص القضية الفلسطينية، وما يمكن أن يطرح من تصورات للتسوية السلمية، في سياق ما يسمى «السلام الإقليمي» مع السعودية، وحرص ترامب على إنجاز ذلك، مما يعني أنّ هنالك مفاوضات سعودية- أميركية ستكون مهمة وأساسية في تحديد مسارات العديد من الملفات الإقليمية، ومنها ما يتعلق بالتسوية السلمية.
على صعيد دوائر القرار في الأردن؛ لم تعد المؤشرات والرسائل الواردة بحاجة إلى تكهن أو تأويل، ونضيف إلى هذه التصريحات أنّ تجميد المساعدات المالية الأميركية لدول العالم، باستثناء إسرائيل ومصر، يصيب الأردن أكثر من غيره من الدول، لأنّه من أكثر الدول التي تتلقى هذه المساعدات، لذلك علينا أن نجهّز أنفسنا للسيناريو الأسوأ، فيما يتعلّق بالإدارة الجديدة سواء على صعيد إدراك مفهوم الدور الأردني وحجمه وأهميته أم على صعيد حل القضية الفلسطينية والعودة إلى «الخيار الأردني» بمعنى دور أمني في المناطق الفلسطينية، وهذا وذاك يستدعي سيناريوهات خطيرة متعلقة بضم مناطق واسعة من الضفة الغربية والانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الإجهاز على الحقوق الفلسطينية، وهذا وذاك يطرح سؤال الوصاية الهاشمية في القدس وكيفية مقاومة مخطط ترامب المؤيد لليمين الصهيوني بإنهاء ملف القدس لصالح الهيمنة والاحتلال الإسرائيلي..
كيف سيتعامل الأردن مع هذه المرحلة الصعبة وكيف سيواجه الضغوط الأميركية؟ وكيف سينسق مواقفه مع كل من الفلسطينيين والسعوديين، ولا بد أن نضيف إليهم الأتراك بمثابة أسئلة على درجة عالية من الأهمية للمرحلة القادمة، لكن ما هو أهم أن يكون هنالك موقف داخلي صلب وقوي خلف الدولة والقيادة والمصالح الوطنية والاستراتيجية الأردنية، لأنّ المرحلة القادمة بمثابة منعرج تاريخي كبير..
الدستور